مع ذلك، لا يخلو هذا التحول من تحديات جسيمة، إذ تظل نماذج الحوكمة، وعدم اليقين التنظيمي، والتعقيد التقني عوامل حاسمة في رسم سرعة ومسار هذه النقلة. يستعرض هذا المحور الرؤية المستقبلية طويلة الأمد للتمويل اللامركزي الأصلي على بيتكوين، مسلطًا الضوء على نماذج الحوكمة السائدة، والتطورات التنظيمية المرتقبة، ومعوقات تجربة المستخدم، والاتجاهات البحثية التي قد ترسم ملامح القطاع مستقبلاً.
تعد الحوكمة الفعالة ركيزة رئيسية لصمود وتكيّف أي نظام لامركزي. وبالنسبة للطبقات الثانية الأصلية على بيتكوين، لم تستقر نماذج الحوكمة بعد؛ إذ تعتمد أغلب البروتوكولات في البداية على بنى توقيع متعدد خارج السلسلة، حيث يدير فريق رئيسي أو مستثمرون أوائل معايير البروتوكول وعمليات الترقية. يمنح هذا الأسلوب مرونة كبرى في المراحل الأولى، لكنه يثير تساؤلات حول مركزية القرار وسيطرة جهة واحدة.
في المقابل، تتبنى بعض المشاريع أطر حوكمة مبنية على المنظمات المستقلة اللامركزية (DAO)، والتي تتيح لحملة الرموز التصويت بشأن معايير أساسية كرسوم التداول، وفترات حل النزاعات، ومكافآت المدققين، أو آليات الجسور. غير أن إدخال رموز الحوكمة في أنظمة بيتكوين الأصلية يمثل تحدياً حقيقياً؛ فالطبقة الأساسية لبيتكوين لا تدعم الرموز من الأساس، ما يفرض على رموز الحوكمة أن تتواجد على الطبقة الثانية وهو ما قد يحد من وصول مالكي BTC الرئيسيين إليها.
وتطرح مقاربة "الحوكمة من خلال البرمجيات" بديلاً آخر، إذ تقيد ترقية البروتوكول بتأخيرات زمنية محددة وآليات اعتراض مبرمجة، مما يقلص من التدخل البشري ويعزز التطبيق الآلي. إلا أن هذه الطريقة تحد من قدرة المنظومة على التكيّف. وعلى الأرجح، سيعتمد مستقبل التمويل اللامركزي على بيتكوين نموذجاً هجيناً يبدأ بتنسيق مركزي عملي، ليُطوَّر تدريجياً إلى حوكمة لامركزية متى نضجت البنية التحتية وزاد حجم المشاركة المجتمعية.
يظل الغموض التشريعي من أبرز العوامل المؤثرة في مستقبل التمويل اللامركزي الأصلي على بيتكوين. فرغم أن بيتكوين تصنف سلعة في العديد من الولايات القضائية كحال الولايات المتحدة، إلا أن العقود الذكية والجسور والأدوات المدرة للعوائد المالية على الطبقة الثانية لا تحظى بذات التصنيف، إذ قد تقع مشاريع الإقراض والتخزين والأصول الحقيقية المرمّزة تحت سلطة هيئات الأوراق المالية أو تتطلب تراخيص مالية خاصة في الاتحاد الأوروبي وآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية.
إقرار أطر تشريعية مثل تنظيم الأسواق في الأصول المشفرة (MiCA) في أوروبا ومشروع قانون SAFER المصرفي في الولايات المتحدة يدل على تصاعد اهتمام الهيئات التنظيمية بقطاع التمويل اللامركزي. وبرغم أن القوانين ركزت بشكل رئيسي على بروتوكولات قائمة على إيثريوم، إلا أن المشروعات الأصلية على بيتكوين التي تقدم وظائف مماثلة ستخضع غالبًا لنفس مستوى الرقابة.
سيغدو التصميم التشغيلي المتوافق مع القوانين أحد بنود بروتوكولات التمويل اللامركزي على بيتكوين، حيث ستشهد التطبيقات الموجهة للمؤسسات خصائص مثل الدخول عبر قوائم سماح مباشرة، وجسور تتضمن آليات KYC، وعقود ذكية قابلة للمراجعة. هذا الانقسام بين النظم اللامركزية بالكامل والمنصات المنظمة والمقيدة في طريقه لترسيخ جذوره، وهو ما سيحدد مسار تدفق رأس المال في الأعوام الخمسة المقبلة.
رغم التقدم التقني السريع، لا تزال تجربة التمويل اللامركزي الأصلي على بيتكوين تعاني من عقبات في سهولة الاستخدام وقابلية التوسع. إذ تتطلب التعاملات مع الطبقات الثانية محافظ متوافقة مع البروتوكولات، وخطوات جسرية يدوية، وإلماماً بمراحل تسوية النزاعات، مما يصعب الأمر على المستخدمين المعتادين على تطبيقات أكثر سهولة في بيئات أخرى.
تبقى الأدوات البرمجية قاصرة مقارنة بإيثريوم؛ حيث تقل خيارات المحافظ الداعمة لبروتوكولات الطبقة الثانية، ويصعب تتبع الأرصدة والحركات عبر عدة شبكات. كما يضطر المطورون إلى استخدام مكتبات غير مكتملة ومعايير تقنية متغيرة، مما يرفع احتمال وقوع الأخطاء ويؤخر طرح المنتجات.
من الناحية العملية، تظل قابلية التوسع تحدياً حقيقياً؛ إذ إن نظام التحقق المرحلي في BitVMX قوي لكنه أبطأ بطبعه من التنفيذ الآني، وتتطلب إثباتات الاحتيال وقتا إضافياً للتسوية، كما يجب على التطبيقات السريعة أن توفق بين سرعة الأداء والأمان. وتجرب بعض المشاريع تكديس الأدلة بشكل متكرر، وطبقات إتاحة البيانات خارج السلسلة، وطرق ضغط متقدمة، لكن هذه التقنيات لا تزال في مراحل تجريبية.
إن الانتشار الشامل سيتوقف على تبسيط هذه التعقيدات، وإخفاءها بالكامل عن المستخدم النهائي، من خلال دمج المحافظ بسلاسة، وتضمين الجسور في النظام، وتقديم معاملات بلا رسوم غاز، وتصميم تجربة استخدام تحاكي المنصات المركزية، ليصبح الانضمام سهلاً حتى لغير المختصين.
هناك عدة محاور بحثية نشطة سترسم معالم البنية التحتية الأصلية القادمة لبيتكوين. ويبرز في مقدمتها BitVMX v2، الذي يستهدف تقديم إثباتات احتيال متوازية وبيئات تشغيل افتراضية أعلى كفاءة، مما يقلص زمن تسوية النزاعات ويوسع نطاق التطبيقات القابلة للتطوير عبر الإطار.
تبرز كذلك قضية توافر البيانات خارج السلسلة؛ إذ يعتمد معظم الجيل الحالي من بروتوكولات الطبقة الثانية على استضافة مركزية أو حلول شبيهة بـ IPFS لإدارة بيانات المعاملات وحالة الشبكة. وتأتي التصاميم المعيارية الجديدة برؤية لفصل طبقات التنفيذ والتسوية والبيانات، ما يتيح للبروتوكولات التوسع المرن مع الحفاظ على إمكانية التحقق.
تكتسب الخصوصية القابلة للبرمجة أهمية متزايدة، إذ تبقى ميزات الخصوصية الأصلية في بيتكوين محدودة، ولم تعتمد أغلب البروتوكولات حتى الآن خاصية المعاملات السرية أو حماية الأرصدة. ومن شأن حلول مثل الإثباتات عديمة المعرفة والتشفير التجانسي أو الأجهزة الافتراضية السرية أن تتيح تمويلاً لامركزياً خاصاً على بيتكوين دون المساس بقابلية التدقيق.
وفي النهاية، تمثل قدرة بروتوكولات بيتكوين الأصلية على التفاعل مع بيئات أخرى كإيثريوم أو كوزموس بعداً بالغ الأهمية، إذ سيتيح ذلك بناء قطاع تمويل لامركزي متعدد الشبكات، يجمع أمان بيتكوين مع مرونة عوالم البلوكشين الأخرى.
للمستخدمين والمطورين الراغبين باستكشاف هذا القطاع، يُعد الدخول عبر الشبكات التجريبية المسار الأسرع. توفر مشاريع مثل Citrea وBitlayer شبكات اختبار عامة مع صنابير للتجربة، ومستندات إرشادية، وبيئات محاكاة. يمكن للمستخدمين تحميل محافظ ملائمة، وجسر كميات رمزية من BTC إلى الطبقة الثانية، واختبار التطبيقات اللامركزية في بيئة آمنة.
لا تدعم معظم المحافظ الأصلية لبيتكوين حتى الآن مشاهدة أرصدة الطبقة الثانية بصورة مباشرة، غير أن إضافات المتصفح وواجهات Web3 بدأت في الظهور. يتاح أيضاً للمختصين استخدام أدوات سطر الأوامر وحزم البرمجيات المتخصصة. ومع تطور البنية التحتية، ستتسع مسارات الانضمام وتصبح بيئة التجربة الآمنة متاحة لفئات أكبر من المستخدمين.
يبقى الانخراط في المجتمعات، والمساهمة في مشاريع المصادر المفتوحة ومستودعات GitHub من أنجع السبل لمواكبة المستجدات. يمكن للمطورين الإسهام في تحسين البروتوكولات، ويمكن للمدققين الانضمام إلى شبكات النزاعات، كما يمكن للباحثين دعم آليات الترقية المستمرة وجهود تدقيق الأمان.
يمثل تطور التمويل اللامركزي الأصلي على بيتكوين نقلة من الحيازة السلبية للأصول إلى توظيف رأس المال الحقيقي، وتبرز BitVMX كلاعب جوهري في تمكين هذا التحول. ومع تقدم الأطر المعيارية عبر الأنظمة البيئية المختلفة، تقدم BitVMX لبيتكوين طبقة تنفيذ قابلة للبرمجة دون المساس بأمان الطبقة الأساسية. وتتيح آلية التحدي والاستجابة انفصالاً فريداً في التحقق والسيطرة بما يتوافق مع نهج بيتكوين المحافظ، رغم اختلافها عن تقنيات rollups المتفائلة وzk المعتمدة في إيثريوم.
وعلى الرغم من أن منصات بيتكوين الأصلية قد تحقق عوائد أدنى في البداية مقارنة بالطبقة الثانية لإيثريوم، فإن القوة تكمن في توظيف رؤوس الأموال غير المستغلة، وثقة الملاك على المدى الطويل، وتقليص المخاطر النظامية. ومع نضوج البنية التحتية المعيارية، ستتيح BitVMX عوائد مستدامة وتنافسية مدعومة بثقة بيتكوين الفريدة، مما يجعلها ليست مجرد تطور تقني، بل محركاً مالياً لعصر بيتكوين القادم.