
في سوق العملات الرقمية، يُشير مصطلح "الارتداد السعري (Bounce Back)" إلى حركة ارتفاع قصيرة المدى في الأسعار تعقب فترة من الانخفاض، حيث تظهر عادةً بعد هبوط قوي في قيمة الأصل الرقمي، فيبدأ المستثمرون بالشراء معتقدين أن الأصل أصبح مبالغًا في بيعه، مما يدفع الأسعار للارتفاع ضمن موجة تصحيحية. قد يُمثّل هذا الارتداد بداية انعكاس اتجاه طويل الأجل أو يكون مجرد تصحيح مؤقت ضمن اتجاه هابط. ويُعد رصد فرص الارتداد السعري استراتيجية محورية في التداول، خاصة في الأسواق الهابطة.
تتميز ارتدادات أسعار العملات الرقمية بعدة خصائص رئيسية. أولًا، تترافق غالبًا مع زيادة ملحوظة في حجم التداول، ما يشير إلى دخول مشترين جدد للسوق. ثانيًا، تتحدد قوة الصعود المؤقت غالبًا بشدة الهبوط السابق، إذ أن عمليات البيع العنيفة قد تؤدي إلى ارتفاعات أكثر حدة. ثالثًا، يستعين المتداولون بالمؤشرات الفنية مثل مؤشر القوة النسبية (RSI)، ومؤشر التقارب والتباعد للمتوسطات المتحركة (MACD) وغيرهما، في تقدير نقاط الحركة التصحيحية. ويجدر التنويه إلى أن الارتدادات تُصنف عادةً إلى "ارتداد القط الميت (Dead Cat Bounce)" الذي يكون ارتفاعًا مؤقتًا يتبعه استمرار الهبوط، أو إلى انعكاسات حقيقية للاتجاه، ما يتطلب دقة في التمييز من قبل المتداولين.
تنعكس آثار الارتدادات السعرية في أسواق العملات الرقمية على أكثر من صعيد؛ فمن حيث المعنويات، تمنح المستثمرين بعض الراحة النفسية المؤقتة من موجات الهبوط وتخفف من حدة الذعر. ومن منظور السيولة، تؤدي هذه الفترات إلى زيادة التداول، ما يساهم في تحريك السوق. أما من الناحية الاستثمارية، فهي تمثل فرصًا لتحقيق أرباح للمتداولين قصيري الأجل، وقد تُعد نقاط خروج مناسبة لحملة الاستثمار طويل الأجل الذين يسعون لتقليل تعرضهم للمخاطر. كما أن ارتدادات العملات الرقمية الكبرى غالبًا ما توجه معنويات السوق، مما يؤثر بدوره في أداء الرموز الرقمية الصغيرة.
على الرغم من التفاؤل المؤقت الذي يصاحب الارتدادات السعرية، إلا أنها تحمل معها مخاطر وتحديات هامة. أولها خطر الاختراقات الوهمية، حيث تتجاوز الأسعار مستويات مقاومة رئيسية ثم تعود سريعًا للهبوط محدثة ما يعرف بـ "مصيدة الثيران (Bull Trap)". وثانيًا، قد تكون هذه الحركة التصحيحية قصيرة الأجل في الأسواق الهابطة، ما يعرض المستثمرين الذين يسيئون تفسيرها كبداية اتجاه صاعد لمزيد من الخسائر. إضافة إلى ذلك، تشهد فترات الارتداد تقلبات مرتفعة، ما يزيد من مخاطر تصفية المراكز للمتداولين باستخدام الرافعة المالية. ومن زاوية طويلة الأمد، يؤدي تكرار دورات الصعود المؤقت والهبوط إلى تآكل الثقة بالسوق، وإطالة فترة التعافي.
يُعد مفهوم الارتداد السعري ركيزة أساسية في نمو أسواق العملات الرقمية، حيث يجسد آلية ضبط ذاتي للسوق ويوفر فرصًا مهمة للمتداولين لضبط استراتيجياتهم وإدارة المخاطر. إن استيعاب طبيعة الحركات التصحيحية وخصائصها وأنماطها المختلفة يتيح للمستثمرين اتخاذ قرارات أكثر متانة، ويحصنهم من تأثيرات التقلبات السعرية العابرة. ومع استمرار نضج الأسواق الرقمية، تتزايد قدرة المستثمرين على رصد الحركات التصحيحية والتفاعل معها، ما يدعم كفاءة السوق ويقلل من حدة التقلبات تدريجيًا.


